دغائي al.talak520.

دعاء ختمة الكتب قلت المدون تم بحمد الله : فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . اميـن

 

الجمعة، 1 يوليو 2022

بين الأذانين لأبي يزن حمزة بن فايع الفتحي

 

بين الأذانين لأبي يزن حمزة بن فايع الفتحي 

( بين الأذانين ) من المجالس   

 

ألقيتها بالسعد والتآنس

في جامع الروضة من قديم

 

بالشرح والتدليل والتفهيم

إليكها يالصائم القوام

 

لتعلو النفس ولا تضام

فالفخر بالعلم وبالمسائل

 

وبالتباكير إلى الفضائل  

فراجعنها غاية المراجعة  

 

وصححن من غير ما منازعة

فإنها من جهد ذا المقل  

 

فى العلم والترتيل والتحلي  

والله نرجو لذة الإخلاص

 

وقفو ذا الحق بلا انتكاص


مقدمة

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم النبيين, وسيد العابدين والصائمين , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فهذه عشرون درساً للصائمين , ألقيتها بفضل الله تعالى فى رمضان 1422هـ في جامع الروضة (اليحيا) بين الأذان والإقامة , قبل صلاة العشاء والتراويح , قصدت فيها السهولة والوضوح , والإيجاز , حيث كان لا يتجاوز وقتها ثلث الساعة , وكان لها عظيم الأثر على نفسي وعلى إخوانى الحرصاء على العلم والفائدة , مما حدا بي أن أقيدها بعد الفراغ منها , حسب العناصر التي أمامي , فجاءت كما ترى قريبة التناول , سهلة المناهل , لطيف فهمها , ممكن ارتيادها.

فحفزني ذلك إلى تقييدها لنفسي أولاً , ثم لينتفع بها من شاء من إخواني أئمة المساجد وطلبة العلم, فمثلها يوفر علي وقتاً كثيراً, وأعود إليها متى أريد. وأستغني بها عن مطولات مبسوطات , وأستذكر بها مواقف طيبة من شهر الخيرات وموسم الرحمات , رمضان الذي هو بحق مدرسة الأجيال لمن صامه بصدق , وتأمله بحق , وعاش حلاوته وأسراره ومغازيه.

جعلني الله وإياكم ممن علم فعمل , وتكلم واتقى , ووعظ واتعظ , آمين

المؤلـــف

27 رمضان 1422

الدرس الأول

يا باغي الخير أقبل

الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , أما بعد :

فأولاً : نهنئ الإخوة الكرام ببلوغ رمضان , ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لإحسان العمل , والتزود من الخيرات في هذا الشهر الكريم , ولا نجد غضاضة بالتهنئة والتبريك برمضان لكل مسلم , لورود ما يدل على ذلك , وقد أشار ابن رجب رحمه الله في كتابه (لطائف المعارف) إلى شرعية ذلك , وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر صحابته ويهنئهم , ويحضهم على العمل والمسارعة.

ومدرك رمضانَ ذو نعمة من الله عظيمة , تستدعينا لتهنئته, وتشجيعه للجد , واستغلال الوقت , وقد قال تعالى في موضعين من كتابه (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ).

ثانياً : ها هو رمضان يا مسلمون طلّت نجومه , وبزغت أنواره , وتغشتنا سعادته , شهر الخيرات والبركات , وموسم الحسنات والطيبات , فأين طلابه وأحبابه , وأين عباده وقوامه ؟! قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (إذا جاء رمضان , فُتِّحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار, وصُفِّدت الشياطين).

حتى الجنان تهنأ برمضان , فتفتح أبوابها ابتهاجاً بالفائزين والراغبين , وفي هذا دليل على أن رمضان باب من أبواب الجنة, أعني إحسان العمل فيه , والمسارعة إلى الله بصدق وإخلاص.

فأين أنت يا باغي الخير من هذا الفضل ؟! أقبل إلى رحمة وغفران , ونعيم وجنان ولذة وابتهاج.

أخرج الترمذي وغيره من طريق أبى صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه , أن البنى صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان , صفدت الشياطين ومرده الجن , وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب , وفتحت أبواب الجنة , فلم يغلق منها باب , وينادي منادٍ , يا باغي الخير أقبل , ويا باغي الشر أقصر , ولله عتقاء من النار , وذلك كلَّ ليلة )".

وهذا حديث عظيم في فضل رمضان , ألا يحرِّك مشاعرنا للجد , إلا يأخذ بهممنا للمسارعة والمسابقة ؟! في مثل هذا ليكن التسارع والتنافس (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ)
(المطففين الآية رقم 26).

ومن فضائل هذا الشهر أنه شهر القرآن , قال تعالى
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ) (البقرة الآية رقم 185).

ومن فضائله:أن صيامه وقيامه سبب لمغفرة الذنوب ففي الصحيحين , قال صلى الله عليه وسلم:

(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

(من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

ومن فضائله : أن فيه الليلة العظيمة (ليلة القدر) التي عبادتها خير من عباده ثلاث وثمانين سنة كما قال ربنا تعالى (لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدرة الآية رقم 3).

ومن فضائله : أنه موسم تجاب فيه الدعوات , وفي المسند عن جابر رضى الله بسند جيد , قال صلى الله عليه وسلم (لكل مسلم دعوة مستجابة يدعو بها فى رمضان) إذن فليحرص المسلم على الدعاء بالجوامع فى هذا الشهر لاسيما وقت الإفطار , وقد غفل كثير عن هذا الوقت.

ومن فضائل هذا الشهر : أنه تربية على الصبر والتحمل , والصائمون هم الصابرون , وقد قال تعالى (إنما يوفى الصابرون أخبرهم بغير حساب)   (الزمر رقم 10).

فاحرصوا يا مسلمون على استثمار أوقات هذا الشهر , واحذروا تضييعها والغفلة عنها.

اللهم وفقنا للخيرات ، وجنبنا الغفلة والحسرات .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد


الدرس الثانى

حقيقة الفرحة برمضان

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعــد .

أيها الإخوة :

يفرح كثيرون برمضان غاية الفرح ، ويسعدون به منتهى السعادة , ولكن قليل من يتبع تلك الفرحة بجد واجتهاد ، وحرص واستباق ! إن الظن بالعقلاء ، أن يجعلوا من فرحتهم طريقاً للخيرات ، وجمع الحسنات ، ومن المؤسف أن فرح بعض المسلمين برمضان كلمات معسولات ، وبعضهم فرح مطعومات ومشروبات ، فتجد التوسع والمبالغة في ذلك .

ونقول : كل مما أتاح الله للأمة الطيبات ولكن بلا مبالغة ولا إسراف . بعض الناس ، تضاعف مصروفاته في رمضان عن سائر الشهور !!

لماذا كل ذلك ؟!!

هل رمضان موسم للأكل والشرب ؟! أم موسم للعمل والطاعة ؟!

لقد أسأنا حقيقة مفهوم الفرحة برمضان ! أين عبادتنا وأين قيامنا وأين جدنا واجتهادنا ؟!!

لقد أثنى الله على بعض أنبيائه فقال : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)
[ الأنبياء : 90 ] .

لابد لنا يا إخوان أن نعرف سر عظمة هذا الشهر ، فنسارع فيه مع المسارعين، ونسابق فيه مع الصالحين .

رسولنا صلى الله عليه وسلم من أعظم المسارعين ، وفي رمضان يتضاعف مسارعته وجده ونشاطه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في الصحيح : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان) .

هذه هي حقيقة الفرحة برمضان ، وحقيقة من يعظمه ويحبه، ويسعد بقدومه .


الدرس الثالث

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعــد .

فلقد افترض الله علينا صيام رمضان ، وفي ذلك أبواب من الخير والفلاح لنا وقد أشار ربنا تعالى إلى ثمرة الصيام العظمى , وحكمته الجليلة بقوله :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [ البقرة : 183 ] .

إذن يا إخوان :

ليكن صومنا سبباً في تقوانا ، وطريقاً لخشيتنا ، إذ التقوى منبع كل خير, وسر كل فضيلة . فمن صام لله ، وسارع في مرضاته ، وكان صائماً الصوم الزكي ، فهو الفائز المفلح , الظافر بالتقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .

وهو الظافر بكل فضيلة وردت للصيام وأهله , ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (الصوم جنة) كما في الصحيح ، وفي المسند بسند صحيح (الصيام جنة يستجن بها العبد من النار) ومعنى جنة : أي وقاية وستر فهو جنة من المعاصي وجنة من النار، وجنة من الشهوات ، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم بديلاً نافعاً لمن تعسر عليه الزواج عن الشهوات ، فقال : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .

أي خصاء .

وفي المسند قال عليه الصلاة والسلام (خُصاء أمتي الصيام والقيام) وهذا الحديث صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كما في تعليقه على مسند أحمد قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله مشيراً إلى فضائل رمضان وصيامه في منظومته (السبل السوية) :


 

صيامُ شهرِ رمضانَ حتما

 

بالآي والحديث فرضاً عُلما

وهو على من تجب الصلاةُ

 

عليه إذ جاءت بذا الآيات

وهو لهذا الدين ركن رابعُ

 

وكم له قد صح فضل ساطعُ

تُفتَحُ أبواب الجنان إن دخلْ

 

شهرُ الصيام والشياطين تُغَلْ

شهر به تفتح أبواب السما

 

وتغلق الأبواب من جهنمَ

شهر به الذنوب تغفرُ

 

وتعتق الرقاب نصاً يؤثرُ

خلوف في الصائم دون شكِ

 

تفضل عند الله ريح المسك

وإن في الجنة للصوام

 

باب له الريان اسم سامي

وقد روى نبينا عن ربِهِ

 

(لي الصيام وأنا أجزي به)

وصح للصائم فرحتانِ

 

مع فطره ومع لقا الرحمنِ

وغير هذا من فضائل تعدْ

 

وكم بتركه وعيد قد وردْ

ليحرص كل واحد منا يا مسلمون على تحقيق الصيام الزكي الرشيد ، وهو يستمع هذه الفضائل ، وليعمر صومه بذكر الله وبقراءة القرآن والصدقة والمعروف ، وليكن بعيداً عما قد يعكر عليه صيامه ، أو يشوش عليه طاعته وابتهاله .

وليحذر مسالك الكسالى الغافلين ، الذين صاموا عن الأكل والشرب فحسب ، ولم يصيبوا ثمرة الصيام ، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الثابت (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر) .

اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه


الدرس الرابع

رمضان فرصة للتغيير

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الإخوة :

إن رمضان بما خصه الله من بركات ورحمات فرصة للتغيير . أعني تغيير النفس من الكسل للجد ، ومن الفتور للاجتهاد ، ومن الحسَن للأحسن والأكمل .

إن فضائل رمضان كلها تستدعي المسلم الصادق للعمل والمسارعة ، ولإصلاح النفس وتطويرها ، ومن العوامل المساعدة للتغيير:-

استشعار المسلم لما يسمعه أو يقرؤه عن فضائل رمضان وأنواره ومبشراته وأيضاً رؤيته لمسارعة الناس ، ومدى التغيير الذي يحدث عند أكثرهم , ففي رمضان يسارع المقصرون ، ويتوب المذنبون ، ويتعظ الغافلون .

وفي ذلك موعظة لكل مسلم أن ينشط بنشاط إخوانه المسلمين .

وأن يحيا قوة تأثير رمضان على النفوس المؤمنة ، وفي ذلك من الفوائد والمكرمات , وأن يدرك خطورة تضييع رمضان أو الغفلة عنه .

روى الترمذي والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(رغم أنف رجل أدرك رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له).

ومن الوسائل المعينة على استغلال رمضان والعون على إصلاح النفس :

أولاً : العزيمة الصادقة على الانتفاع بهذا الموسم الكريم .

ثانياً : سؤال الله العون والتوفيق والمسارعة في الخيرات ومن الأدعية النافعة في ذلك : (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) و(اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين).

ثالثاً : المحافظة على ورد معين من القرآن والذكر والانتظام في ذلك وقتاً ومقداراً .

رابعاً : التقلل من الشواغل ، والحرص على تفريغ الروح والجسد للعبادة والطاعة .

خامساً : القراءة في سير الصالحين، ذوي الهمم ، ومجالسة الأفذاذ ، الذين ينتفع بحديثهم ويتعلم منهم الفوائد والمكرمات , وإنني هنا أوصى بكتابين نافعين في هذا الشهر للذكور والإناث , رهبان الليل ونداء الريان للشيخ سيد العفاني.

 

والله الموافق والهادي إلى سواء السبيل


الدرس الخامس

رمضان شهر القرآن

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

إخواني الكرام :

رمضان شهر القرآن ، هذا عنوان درسنا لهذا المساء .

للقرآن صلة وثيقة برمضان قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ) . [ البقرة : 185 ]

كان ابتداء نزول القرآن في شهر رمضان المبارك ، وقد كان نزوله من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا في ليلة القدر كما قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) [ الدخان : 3 ] .

وقال عز وجل : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ) [ القدر : 1 ] .

وليلة القدر معلوم أنها فى رمضان .

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) .

وفي العام الذي قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه جبريل القرآن مرتين . فنزول القرآن في رمضان ، ومذاكرة جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فيه يجعل للقرآن أهمية بالغة في رمضان ، وأنها العبادة الملائمة مع الصيام، ولهذا كان السلف الصالح يخصون رمضان بالقرآن تلاوة وتدبراً وتعلماً وتدريساً وأخبارهم في ذلك كثيرة وعجيبة ، وقد ذكر طرفاً منها الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف حيث قال :

(كان بعض السلف يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع منهم قتادة ، وبعضهم في كل عشر ، منهم أبو رجاء العطاردي ، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها ، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان ، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة ، وفي بقية الشهر في ثلاث ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر كل ليلة ، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وعن أبي حنيفة نحوه ، وكان قتادة يدرس القرآن في رمضان ، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال : فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام) .

إذن هكذا كان السلف في رمضان ، عناية جادة متينة بكتاب الله في هذا الشهر وقد روى عن بعضهم اعتزال مجالس التحديث تفرغاً للقرآن كالإمام مالك عن أنس رحمه الله .

وحول القرآن في رمضان مسائل :

الأولى : يندب المسلم إلى الإكثار من التلاوة في هذا الشهر ، والحرص على ختمة عدة ختمات مراعياً التدبر والانتفاع بالتلاوة .

الثانية : كثير من الناس همه الختمة دون التدبر والتأمل ، فيحرص على الختمة على أي وجه كان ، حتى لو خالطها هذ وهذرمة للآيات ، ولا شك أنها مسلك خاطئ ، يفوته من الأجر الشيء الكثير ، وسبب ذلك ما بلغه عن السلف من حرصهم التام وختماتهم الكثيرة ، والظن بالسلف الكرام عنايتهم بالتدبر لأن أكثرهم كان في منزلة (العلماء الأفهام) الذين لا يشق عليهم فهم القرآن ولا الاتعاظ به ، ولهذا كانوا يسرعون في الختمات ويوالونها .

مع أن المعتبر في ذلك هدى النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على تدبر القرآن لأنه هو المقصود الأعظم من التلاوة .

قال تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ص: 29] .

وهؤلاء العلماء يُحيّون على أعمالهم الصالحة ، ولكن لا يُقلدون في ذلك ، على فرض المخالفة ، وإلا فإنهم أحرص الناس على الإتباع والاقتداء .

قالت عائشة رضي الله عنه كما في صحيح مسلم : (ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة).

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له : إني اقرأ المفصل في ركعة واحدة ، فقال عبد الله : (هذّا كهذ الشعر ، إن أقواماً يتلون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع).

الثالثة : إذا قيل باعتبار التدبر والتفهم للآيات فأيهما أفضل الترتيل أم الإسراع ؟! لابن القيم جواب لطيف مشهور في ذلك وهو ما ذكره في زاد المعاد .

حيث قال (والصواب في المسألة أنه يقال : إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً ، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً ، فالأول كمن تصدق بجوهره عظيمة ، أو أعتق عبداً قيمته نفيسة ، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة) .والله الموفق والهادي الى سواء السبيل .

 


الدرس السادس

فقهيات الصيام

الحمد لله والشكر لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الإخوة في الله :

نتحدث في درسنا لهذه الليلة عن (فقهيات الصيام) ونعني بها المسائل العلمية التي يحتاج إليها الصائم ، وتمر به كثيراً ، ويسأل عنها الكثيرون وربما كان الجهل ببعضها مؤثراً على الصيام ، أو منقصاً لأجره .

وسوف يكون الحديث عن ثلاث مسائل :

الأولى : ثبوت دخول رمضان : يثبت دخول رمضان ، ويصوم المسلمون بأحد أمرين :

أحدهما : رؤية الهلال لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين).

وثانيهما: إتمام عدة شعبان ثلاثين يوماً ، وذلك إذا لم يُر الهلال ، كأن يحول دون رؤيته غيم أو قتر .

فلا يعتمد على غير هذين في دخول رمضان ، كالحساب الفلكي مثلاً ، لقوله عليه الصلاة والسلام (إنا أمة أمينة لا نكتب ولا نحسب) .

وكذلك الرؤى المنامية ، لا تعتمد ، بإجماع العلماء ، نقله القاضي عياض وغيره .

ومن الطريف في ذلك ما نُقل عن القاضي حسين رحمه الله من فقهاء الشافعية أن رجلاً أتاه ليلة الثلاثين وقال له : إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي : إن الليلة من رمضان ، فقال القاضي حسين إن الذي تزعم إنك رأيته في المنام رآه الصحابة في اليقظة ، وقال لهم (صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته) .

ولا يجوز صوم يوم الإغمام على الصحيح ، وقد أطنب الإمام ابن القيم رحمه الله في تقرير ذلك فى الزاد. ولا يصح تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا لمن كان له صوم , أو يقضي صوماً عليه للأدلة الثابتة فى ذلك.

الثانية : نية الصيام ونقول فيها : بأنه تكفي فيه واحدة لصيام رمضان , ولا يلزم لكل يوم نية على الصحيح , لأنه قد استقر في ذهن كل مسلم أنه سيصوم رمضان.

الثالثة : مفطرات الصيام : وهذا مما يسأل عنه الناس كثيراً وتشكل عليهم بعض الأمور فالمفطرات التي تفسد الصيام كالتالى :

الأكل والشرب : فمن أكل أو شرب فى نهار رمضان عالماً ذاكراً مختاراً , فقد أفطر وعليه الإثم والقضاء.

الجماع : وهو من أعظم المفطرات بالنص والإجماع , قال تعالى : (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم).

فمن يجامع فى الفرج وهو صائم فعليه أمور.

إمساك بقية الصوم.

قضاء اليوم الذى جامع فيه , لقوله صلى الله عليه وسلم للمجامع (صم يوماً مكانه) وهى رواية ثابتة.

عليه كفارة الجماع وهى : عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين, فإن لم يستطيع أطعم ستين مسكيناً.

علية التوبة والاستغفار من هذا العمل , لأنه ارتكب إثماً عظيماً.

القيء عمداً : وهو عبارة عن استفراغ ما فى المعدة من طعام أو شراب قاصداً لذلك بأى وسيلة كانت.

وأما إذا خرج القىء بدون قصد بأن يكون غلب الإنسان , أو من كان كثير الجشاء , فخرج معه , فلا حرج عليه وصومه صحيح قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود والترمذى بسند صحيح (من ذرعه القىء فليس عليه قضاء , ومن استقاء فليقضي). ومعنى ذرعه : غلبه

إنزال المني بالتقبيل أو الاستمناء : لأن ذلك في معنى الجماع فيفطر به بغير خلاف , وأما إذا باشر فأمذى فلا يفسد صومه على الصحيح الذي اختاره ابن تيمية.

خروج دم الحيض والنفاس : وهذا بالنسبة للمرأة فإنها تفطر إذا رأت الدم بالإجماع , ولو كان قبل الغروب بشىء يسير.

قال صلى الله عليه وسلم (أليست إحداكن إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم).

ومن المفطرات أيضاً : الردة عن الإسلام عياذاً بالله.

وإذا نوى الإفطار أفطر عند أكثر أهل العلم.

ويلتحق بهذه المفطرات كل ما فى معناها كالإبر المغذية التي تقوم مقام الطعام والشراب ويغذى بها الجسم , فهذه يفطر بها الصائم وعليه القضاء , وأمام ماعداها فلا يفطر على الصحيح , وقطرة العين والأذن لا تفطر لأنهما ليسا منفذين إلى الجوف , وكذلك الكحل لا يفطر به الصائم , وأما قطرة الأنف فإنها تفطر , لأن الأنف منفذ إلى الجوف.

والسواك يجوز استعماله في سائر الأوقات لعموم الأدلة , ولا يفطر به الصائم حتى الرطب منه على الراجح , وفي معناه المعجون يجوز للصائم استعماله , وإن كان فيه حلاوة شديدة لها تأثير , والمطلوب التحرز منه قدر الإمكان , وفى أهمية التحرز منه يقول الناظم :

وليحذر المعجون فى الصيامِ
وإنه فى الحكم كالسواكِ

 

ليأمن الوقوع فى الحرام
مرخَّص من غير ما اعتراكِ

وابتلاع الريق لا يفطر ولا يضر , لأنه لا يمكن التحرز منه, واتقاؤه شاق , ونظيره غبار الطريق , وغربلة الدقيق.

وما يصيب الإنسان من جروح وكسر الأضراس لا تفطر , ولكنه يحتاط من ابتلاع شىء من ذلك ويجوز للصائم التبرد بالماء والاستحمام ليدفع شدة الحر , إذا احتاج لذلك يجوز للصائم ذوق الطعام ليعرف حلاوته من ملوحته كما أفتى كذلك ابن عباس رضى الله عنهما , ولا يبلع شيئاً من ذلك.

أما بالنسبة لشم الروائح فهذا يجوز ولا يؤثر على الصيام , لكن يبتعد عن البخور لأن له جرماً , فيؤخره إلى الليل إذا أراده كما هو رأى بعض مشايخنا جزاهم الله خيراً.


الدرس السابع

رسولنا صلى الله عليه وسلم فى رمضان

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه :

أيها الإخوة الكرام : سيكون الحديث في هذا المساء عن الرسول الكريم فى رمضان , إن من يتحدث عن محمد صلى الله عليه وسلم فى رمضان يتحدث عن مدرسة الخير والجود فى رمضان , فحديثنا عنه حديث عن الدين الإسلامي في كماله وجماله , وحديثنا عنه حديث عن العبادة الحسنة , وعن الصيام الزكي , وعن القنوت الدائم.

هل يعقل يا صائمون أن يصوم المسلم ولا يعرف شيئاً عن رسوله صلى الله عليه وسلم فى هذا الشهر الكريم ؟‍‍‍‍‍‍‍! كلا ! لا يصح ذلك ولا يليق !!

وهناك مسائل في هذا الدرس :

الأول : كان رسولنا صلى الله عليه وسلم ينبه صحابته إلى رمضان , مبشراً لهم , وحاضاً على العمل والمسارعة وكان فيه خير الصائمين , وأفضل القانتين.

الثانية : كان يخص رمضان بالإكثار من الطاعات , والجد فى القربات كما ذكره ابن القيم فى زاد المعاد , فيملؤه بالذكر والتلاوة والصدقة والاعتكاف , بل كان يواصل بعض الأحيان ليوفر الساعات كلها فى العبادة.

والوصال المراد به : مواصلة اليومين والثلاثة بلا إفطار , وهو من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا يجوز لأمته بل هو محرم في حقهم , وإنما يجوز لهم وصال إلى السحر فى اليوم الواحد.

قال الشيخ حافظ رحمه الله :

وقد نهى النبي عن الوصالِ

 

أي صوم الأيام مع الليالي

مع فعله له فلا للحرمةْ

 

ذا النهي لكن رحمة بالأمة

وقال العبد الفقير :

وواصلن إنْ شئت للأسحارِ

 

للخبر الوارد في البخاري

من آخر الإفطار للسحورِ

 

ما كان خارقاً لذا المحظور

والخبر الوارد في البخاري هو حديث أبي سعيد (لا تواصلوا وأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) .

ووصال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطيقه الأمة وقد قال: (إنكم لستم كهيئتي , أني أبيت عند ربي يُطمعني ويَسقيني) .

وهذا الطعام والشراب معنوي وهو عبارة عما يفيضه الله عليه من المعارف والدلائل النورانية فينعم بلذة العبادة ، وبالقرب والشوق من ربه ، مما يجعله لا يسأل عن طعام ولا شراب كلذة المحبوب بمناله ، وفرحة الظافر بما يهواه ، وهذا ما قرره ابن القيم وابن رجب رحمهما الله ، وأنشد عليه ابن القيم قول الشاعر:

لها أحاديثُ من ذكراك تَشغلُها

 

عن الشراب وتلهيها عن الزادِ

لها بوجهك نورَُ تستضيء به

 

ومن حديثك في أعقابها حادي

إذا اشتكت من كَلال السير أوعدها

 

روحُ القدوم فتحيا عند ميعادِ

والشاهد من الكلام مضاعفة العبادة في هذا الشهر ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : (كان رسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان) . وقد كان جبريل عليه السلام يراجعه القرآن كل سنة ، وفي العام الذي قبض فيه راجعه مرتين .

وجوده صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة ، ولم يكن مقتصراً على الإنفاق بل كان يتنوع ويتلون , يجود بماله ونفسه وجاهه وعلمه ، لا يترك باباً من الخير إلا طرقه كما أقاده ابن رجب في لطائف المعارف .

الثالثة : كان رمضان في حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم شهر العمل والجد والجهاد، ولم يكن الصوم سبباً في الكسل والراحة ، بل كان فيه عاملاً عابداً مجاهداً فمع استغراقه في الطاعات ، وتربية الناس ، وقضاء حوائجهم ، كان يخرج إلى الجهاد إذا لزم الأمر ، ولهذا فلقد وقعت غزوة بدر ، وغزوة فتح مكة في هذا الشهر الكريم ، وفيها انتصر المسلمون ، ففي بدر انكسرت الوثنية ، وفي فتح مكة سقطت الأصنام ، وأشرقت مكة بنور التوحيد والهداية.

الرابعة : ولم يكن عليه الصلاة والسلام يصوم رمضان فحسب ، بل كان له أوراد يصومها ويحافظ عليها ، فقد كان الصوم أنيسه وخليله ، يصوم أكثر الأيام فما تود أن تراه صائماً إلا رأيته ، ولا مفطرا إلا رأيته ، وما استكمل صيام شهر بعد رمضان سوى شعبان .

الخامسة : كان صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ، ولكن كما قالت عائشة (أملككم لأربة) أي شهوته ، ورخص في القبلة للصائم ، وشبيها بالمضمضة وفقه هذه المسألة : أن القبلة تجوز لمن لم تحرك شهوته ، هذا هو الصحيح المختار .

السادسة : صام رسولنا صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر ، وخير الصحابة بين الأمرين فيجوز لمن سافر أن يصوم إذا لم يشق عليه ذلك ، ويجوز لغيره الإفطار ولو بالوسائل المريحة .

وأما من شق عليه الصوم فهذا يجب عليه الفطر ، وعليه يتنزل حديث (ليس من البر الصيام في السفر) أخرجاه .

السابعة : كان صلى الله عليه وسلم يعجل الفطر ويؤخر الفطور، ويقول (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور) .

وعلى هذا سار صحابته من بعده ، قال عمرو بن ميمون (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرعَ الناس إفطاراً , وأبطأهم سحوراً) .

وتعجيل الإفطار المراد به بعد اختفاء قرص الشمس يعني مغيبها .

الثامنة : وكان من هديه أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيغتسل بعد الفجر ويصوم ، فمن حصل له ذلك فيفعل ما فعله رسول الله ، وليس هذا من خصائصه ، بل هو عام لأمته .

اللهم ارزقنا الفقه في دينك ، واجعلنا من أتباع  رسولك ، إنك جواد كريم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،،


الدرس الثامن

للمسلم دعوة في رمضان

الحمد لله تعالى ، أكرمنا بطاعته ، وأعزنا بدينه ، فله الحمد والشكر وله الثناء الحسن وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

أيها الإخوة :

من خصائص هذا الشهر ومكرماته أنه شهر الدعاء ، فهو من الأزمنة التي تستجاب فيها الدعوات ، وتقال فيه العثرات .

روى أحمد في مسنده عن جابر رضي الله عنه بسند جيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لكل مسلم دعوة مستجابة يدعو بها في رمضان) .

وقد وردت أحاديث كثيرة تفيد أن هذه الدعوة عند الإفطار ، فينبغي للمسلم أن يجتهد في هذا الشهر الكريم ، لا سيما عند الإفطار ، ولجهل الناس بالأدعية المأثورة الصحيحة ، سوف أذكر في خاتمة الدرس قائمة جميلة تضم محاسن الأدعية النبوية .

والدعاء يا معاشر الإخوان : من الطاعات الفاضلة ، وهو العبادة ، وبه تستجلب الأرزاق ، وتدفع الأرزاء ، والعاجز عنه بخيل ، كما ورد بذلك الحديث ، ويستحسن هنا ذكر بعض آداب الدعاء المهمة التي تغيب عن كثيرين .

فمن تلك الآداب :

أولاً : التماس الأوقات الشريفة كرمضان والأسحار ، وساعة الجمعة ، ويوم عرفة وما شابهها .

ثانياً : البدء بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثالثاً : الضراعة والتذلل ، وإظهار الفقر والحاجة ، ومن الأخطاء في القنوت التفاصح بالدعاء دون التذلل له ، وقد قال بعضهم : (ادع بلسان الذلة والافتقار ، لا بلسان الفصاحة والانطلاق) .

رابعاً : تكرار الدعاء ثلاثاً ، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ثلاثاً .

خامساً: العناية بجوامع الدعاء ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء .

سادساً : عدم الاعتداء في الدعاء كالسجع المتكلف ، والتفصيل الممجوج .

سابعاً : سؤال الله بالوسائل الشرعية كأسمائه الحسنى ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) .

وليحذر المسلم الوسائل البدعية كالسؤال بجاه فلان ولو كان نبياً فهذا لا يجوز .

ثامناً : العناية بالأدعية والكلمات التي عظمها الشارع من نحو
(يا ذا الجلال والإكرام) و(يا حي يا قيوم) و(اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يك ن له كفواً أحد) .

تاسعاً : استقبال القبلة ورفع الأيدي ففي الحديث الصحيح (إن ربكم تعالى حَييّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفرا) .

عاشراً : إجابة المطعم والمشرب ، واجتناب المعاصي عموماً : فلا يحول عن الإجابة إلا المعاصي والموبقات ، ورُوىِ حديث (أطِبْ مطعمك تكن مستجابَ الدعوة).

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، ومطعمه حرام وملبسه حرام ، وغُذي بالحرام (فأنى يستجاب لذلك) .

فهذا الرجل جمع أموراً متأكدة الإجابة ، ومع ذلك , حال فساد مطعمه عن إجابة دعوته .

(فأنى يستجاب لذلك) هذا على وجه الاستبعاد والاستنكار .

أما بالنسبة للأدعية المختارة الجميلة من السنة النبوية فهي كالتالي :

(اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها) .

(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر) .

(اللهم إني أعوذ بك من جَهد البلاء ، ودرَك الشفاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء) .

(اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك).

(اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون).

(اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك).

(اللهم يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا على طاعتك).

(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة .. وقنا عذاب النار).

(اللهم أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي ، وامكرلي  ولا تمكر علي ، واهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى علي ، اللهم اجعلني لك شكاراً ، لك ذكاراً ، لك مطواعاً ، لك محباً ، إليك اواهاً منيباً ، اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي، واهد قلبي وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي).

(اللهم إني أسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف ، والغنى).

(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) .

(اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطأي وعمدي ، وكل ذلك عندي).

(اللهم عافني من شر سمعي ، وشر بصري ، وشر لساني ، وشر قلبي ، وشر منيي).

(اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال).

(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والجبن والبخل ، وضلع الدين وغلبة الرجال) .

(اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي اللهم إنى خشيتك فى الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا, ونسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ونسالك القصد في الغنى والفقر ونسألك برد العيش بعد الموت ونسالك ل\ة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين )

(اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا).

(اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم) .

فهذه الأدعية من أصح وأحسن ما ورد في السنة المطهرة ، خليق بالمسلم أن يحرص عليها ويتحفظ ما تيسر منها ، وإذا كان يدعو بجماعة كالقنوت مثلاً فإنه يستخدم نون الجمع فيقول : اغفر لنا ، وارحمنا وهكذا .

والله يتولانا برحمته , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه


الدرس التاسع

(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ)

الحمد لله تعالى ، متعنا بالقرآن ، وزيننا بالإيمان ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الإخوة :

إن أزكى طاعة ، وأجل عبادة يتسابق فيها المسلمون في هذا الشهر هي قراءة القرآن ، فيجدون فيه قراءة وذكرا مقبلين ومثابرين . وهذا حسن . ولكنهم يغفلون عن أمر جليل ، وهو من مقاصد نزول القرآن وهو (التدبر) بل إنه أجل مقصود ، وأعظم مطلوب ، لأنه طريق التأثر والعمل , والانتفاع بهذا الكتاب العزيز .

ولهذا يهذ كثير من الصائمين القرآن في رمضان ، ويختمونه ختمات عديدة ، دون تدبر وتأمل وتأثر وتخشع !! لماذا كل ذلك ؟!

طمعاً في أجر التلاوة والختمات كثيرة ، وهذا المسلك فيه أخطاء عديدة :

أنه خلاف المراد من القرآن وهو التدبر ، قال تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ ص : 29 ] .

وقال تعالى : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [ النساء : 82 ]

أي هلا تدبروا هذا القرآن لينتفعوا به ، ومن شرفه أنه لو كان جاء من سبيل أخرى غير الله لكان مختلفاً غاية الاختلاف والاضطراب .

وقال تعالى : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [ محمد : 24 ] .

أي هل كانت قلوب هؤلاء الأقوام مقفلة ، لم يصل إليها أثر القرآن ومواعظه وزواجره ؟!

إننا نوصي إخواننا الصائمين مع حرصهم على الختمة أن يحرصوا على الفهم والتدبر لهذا الكتاب , فما نفع منه إلا ما رسخ في القلب ووقع .

أنه خلاف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يرتل القرآن , فيعيش أسراره ، ويتأمل عجائبه ، ويبكي لزواجره وتهديداته .

أن المنتفع بالقرآن مَنْ تدبره وتأمله ، وعاش أسراره وأنواره ، وأما القراءة السريعة , فإنه وإن حصل أجر التلاوة ، فقد فاته خيراً كثيراً ، وأما الهذ والهذرمة التي تسقط الحروف فهذه ليست من الخير في شيء .

وقد قال عمر رضي الله : (شر القراءة الهذرمة) ولا يجوز للمسلم أن يقرأ قراءة ينقص فيها الحروف , ويخل فيها بالمعنى .

أن القراءة السريعة هي في الغالب أقل من قراءة الترتيل ، وقد ذكرنا  في درس سابق المفاضلة بين القراءتين ، وأن الترتيل أقل قدراً ، والحدر أكثر عدداً .

وهنا مسائل حول التدبر :

المسألة الأولى ـ معنى التدبر :

وهو تدبر معاني القرآن ، والتفكر فيما تدل عليه من مدلولات وأحكام وأسرار .

قال بعضهم (تدبره في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه ، وسرك بالإقبال عليه) .

لذا ليحرص المسلم عند قراءة القرآن أن يُحضر قلبه ، ويعمل فكره فيه ، ويتدبر قدر الاستطاعة وليجاهد نفسه في ذلك ، وليحاول الانعزال عن الدنيا والتفكير فيها ، وليسأل الله التوفيق والإعانة . والصوم سبيل بإذن الله للإقبال على القرآن وتدبره لأن الصائم متقلل عن الكلام ، مبتعد عن الطعام ، وفي ذلك سبب للصفاء والفهم . وإذا عكف على التلاوة في المسجد ، وانقطع لذلك ، كان أدعى للفهم بإذن الله وقد جاء عن بعض السلف أنهم كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد .

المسألة الثانية ـ من الأمور المعينة على التدبر :

الإيمان الصادق بهذا الكتاب ، وأنه من عند الله , منه بدا وإليه يعود ، وقد أنزله الله هدى ورحمة للعالمين ، يشرح صدورهم ، ويهدي ضالهم ، ويثبت مؤمنهم، ويشفي سقيمهم . فإذا آمن العبد بهذا القرآن حق الإيمان يكون قد نصح له وأخلص .

وفي الحديث المشهور (الدين النصيحة) وكررها ثلاثاً قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم .

فالنصيحة للكتاب هي الإيمان به والعمل عليه وتدبره وتفهمه .

أخذه بقوة وحزم : لابد للمسلم في إيمانه بهذا القرآن أن يحمله بقوة وحزم كما قال تعالى : (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) وأن يستشعر أنه يلتجئ إلى ركن شديد يؤمن به ، ويعمل به، ويعيش مواعظه , وفي ذلك عون بإذن الله على تدبره.

استشعار أنه نزل للتدبر : لم ينزل القرآن للتلاوة فحسب ، أو لترديده في المحافل ونحوها وإنما أنزل لكي يتدبر ، قال تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) ، إذن لابد أن يعتني المسلم بهذه الحكمة الجليلة من نزول الكتاب ومن مقولات الحسن الجميلة (نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً) .

تحسين الصوت به ، والقيام به : الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً ، ويجعل للآيات موقعاً من القلب ، لا سيما إذا صاحب ذلك صدق في محله والتأثر به.

وأيضاً الصلاة به في الليل كالقيام وغيرها ، سبب لتدبره ، قال تعالى : (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً). والمعنى : أنها توطئ السمع والقلب والبصر لانعدام العوائق ,ويحصل النفع

الإنصات عند سماعه : وهذا أدب رفيع يستعمله المؤمن مع القرآن أنه لا يتكلم ولا يهذي عند سماع هذا الكتاب إجلالاً له ، وتأدباً مع مواعظه ، قال تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [ الأعراف : 204]. فإذا أنصت المرء لآياته ساعد ذلك على الإقبال عليه والخضوع له ، وهذا معين على تأمله والانتفاع به .

صحة التلاوة وسلامتها : وهذا أمر في غاية الأهمية ، وقد أهمله كثير من الناس مع انتشار الوسائل المعينة على التعلم سواء من خلال الحِلق ، أو الأشرطة الصوتية ، وكلما سعى المؤمن في تحسين تلاوته وتصحيحها كان أدعى لتدبره لأن سلامة النطق تزيد في الفهم ، فمن كان يلحن في القراءة كيف سيتدبر وهو يغير المعنى ؟! لا شك أن سلامة التلاوة مهمة جداً ، والله الموفق.

الجهر بالتلاوة : ونعني بها رفع الصوت المعتدل فهو سبب في جمع القلب وإقبال الإنسان , ومنع شرود الذهن , وفي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم : (ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به).

معايشة الآيات : يستغرب من كثيرين إذا قرأ القرآن ، كأنه يقرأ كلاماً لا يعرفه أو يظن أن هذا القرآن لأمةٍ مضَت وذهبت ، وليس له منه إلا الترداد والتذكار !! وهذا خطأ لابد أن يستشعر المسلم أن هذا القرآن له يخاطبه كمؤمن مصدق به ولا ينأى بنفسه عن توجيهاته وخطاباته .

قال ابن مسعود : ( إذا سمعت الله يقول في كتابه يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه )

وأيضاً ليتأمل أخبار الجنة وأهلها ، وأخبار النار وأهلها ، وليعش ما يُقص من أنباء الأمم , ويعتري الدعوة الإسلامية في كل زمان ومكان .

تكرار الآيات : إذ التكرار يخرق ستر الغفلة والصدود ، ويوقظ النفس ، ويحيي القلب فالتكرار وسيلة جيدة للتفهم والتأثر ، وقد ثبت عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم بات ليلة يردد (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [المائدة : 118 ] ويبكي عليه الصلاة والسلام .

المسألة الثالثة ـ صوارف التدبر :

ما مُنع كثيرون من حلاوة التدبر ، والعيش مع هذا الكتاب إلا بسبب أشياء أحدثوها ، لذا إذا اشتكى الإنسان من ذلك فليراجع نفسه ، وليصحح قلبه ، لعل شيئاً هناك، ضرب عليك حجاب الفهم ، وحال دون الوصول لذلك .

ومن الصوارف المشهورة ما يلي :

مقارفة الذنوب : وهي التي يُحرم العبد بسببها الخير والرزق والتوفيق ، فما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا رُفع إلا بتوبة .

فالذنوب يا إخوان هي مانع التدبر لمن يشكو من ذلك ، كالكبائر على سبيل المثال إذ يتسلط الشيطان من خلالها ، فيجعل على القلب غشاوة ، لا تزول إلا بالتوبة ، وكثرة الاستغفار ، قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ) [ الأعراف : 146 ] .

مرض القلب : وهو ذنب خطير ، والذي يمرضه الذنوب ، أو الشهوات ، وقلة ذكر الله فإذا قل الذكر ، وفُعل الذنب ، قسا القلب واحتاج لما يعالجه ويبرئه .

قال مالك بن دينار رحمه الله (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب).

انشغال القلب وشرود الذهن : وإنما يشتغل القلب بالدنيا ، فالتعلق بها سبب للشرود والهروب ، وعدم إجلال هذا القرآن ، ولهذا شارد الذهن إذا قرأ يستتقل التلاوة ، يعمد للإسراع لينتهي .

قال الحسن : (يا ابن آدم كيف يرق قلبك ، وإنما همتك في آخر السورة) .

قصر الخشوع على أحوال معينة : كذكر الجنة والنار ، أو لا يخشع إلا في رمضان وهذا يحصل من بعض الناس ، وهو ليس بجيد ، بل يجب على الإنسان أن يعود نفسه الانتفاع بهذا الكتاب على كل حال ، وفي القرآن مواضع وموضوعات ترق لها النفوس ، وتدمع العيون ، ولكن أين القارئ الصادق ؟!!

الاهتمام بالقراءة دون التدبر : سرى إلى كثيرين خطأ الانصراف للقراءة فقط! فإذا أخذ المصحف لا يطمع لتفهمه وتدبره ، وإنما يقرأ ليزيل غماً ، أو يذهب حزناً ، أو يجمع حسنات ، ولا يفكر أن يتدبر ما يتلو وأن يبكي ، ويخشع لما يقرأ ، والله المستعان . فهذا صارف ، يتربى عليه القارئ وفيه من ضعف العقل وقصر الهمة ما لا يخفى !

وأخيراً : أرشد إلى كتاب مفيد في غاية النفاسة للشيخ سلمان بن عمر السنيدي من إصدارات المنتدى الإسلامي ، وقد استفدت منه في هذا الدرس فجزى الله مؤلفه خيراً . وأنبه هنا , سيكون الدرس غداً عن المرأة المسلمة في رمضان .


الدرس العاشر

المرأة المسلمة في رمضان

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الإخوة والأخوات :

ليس أفراح رمضان ومباهجه خاصة بالرجال ، بل إن للنساء من ذلك أوفر الحظ والنصيب ، فالنساء شقائق الرجال ، وتنعم المرأة وتغنم من غنائم هذا الشهر ما شاءت ، وإنها لتكون سباقة بقدر جدها واجتهادها .

وهذا الموسم الكريم ميدان للعمل والتسابق فأين العاملات ، وأين المسابقات ؟!

لقد سبق نسوة كريمات آلافاً من الرجال , منهن آسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران , وخديجة , وعائشة , وفاطمة رضي الله عنهن .

فلماذا المرأة في زمننا لا تطمح أن تكون كواحدة من هؤلاء في إيمانها الصادق، وفي حسن عملها , ومسارعتها للخيرات ؟!

ليس ذلك بعسير ، إذا صدقت المرأة المسلمة ، وتسلحت بالعلم والهدى ، وكانت على مستوى عالٍ من الهم والاهتمام .

وحول حديثنا عن المرأة في رمضان مسائل :

الأولى : النساء شقائق الرجال ، يجب عليهن الصوم كما قد وجبت الصلاة والزكاة والحج ، فكل ما ورد للرجال فهو للنساء إلا ما خصصه الدليل .

الثانية : تؤمر المرأة بالصوم إذا حاضت وهو علامة من علامات البلوغ عند النساء ، إضافة لبلوغ خمس عشرة سنة أو الإنبات أو الاحتلام ، فهذه علامات البلوغ الثلاث وتزيد المرأة بالحيض والنفاس .

وقد تحيض المرأة وهي صغيرة كتسع سنوات ونحو ذلك ، فيجب عليها الصوم حينئذ ، وعلى أمها , ومن يرعاها الانتباه لذلك .

الثالثة : توصى المرأة المسلمة بالاجتهاد في هذا الشهر بالصلاة والقراءة والصدقة والإحسان وكل أعمال البر ، والتقلل من الأشغال والعوائق ، فهذا الشهر شهر العمل والمنافسة , وهو فرصة للمرأة التي قد شغلت نفسها قبل رمضان بأمور الدنيا ، أن تعوض ما فات , وأن تصلح ما سبق .

الرابعة : بالنسبة لحبوب منع الحيض , تلجأ بعض الأخوات لاستعمالها في هذه المواسم الكريمة لكي تصيب الخير فما حكم ذلك ؟!

والذي يبدو أنه لا حرج في استعمالها عن طريق الأطباء الحذاق , وقد جوز الإمام أحمد ذلك وكذلك ابن تيمية أعني أنهما رخصا للمرأة أن تستعمل أمرا يمنع الحيض .

لكن لو صبرت المرأة وتركت ذلك كله فهو خير لها . لأن دم الحيض دم جبلة وطبيعة , كتبه الله على بنات آدم , فتركه على طبيعته خير للمرأة .

الخامسة : تنصرف كثيرات من النساء للعمل في رمضان للطبخ وغيره ، وتجهد نفسها، وربما كان عن تكليف من زوجها ووليها ، فتذهب الساعات وهي في المطبخ ، وقد لا تخرج إلا مع الغروب ، فتخرج وقد انهدت وتعبت وهذه حقيقة لا يجوز أن تعيش شهرها كله في الطبخ والشغل .

ويأثم زوجها إذا تعمد حرمانها من لذة هذا الشهر .

وليكن العمل باعتدال ، ودون مبالغة أو إسراف ، وليتق الله الآباء والأزواج وليكونوا منبع حنان ورأفة بأولئك النساء المظلومات ، وليحرصوا على انتفاعهن بهذا الشهر .

السادسة : يُستحب للنساء شهود التراويح إذا أردن ذلك ، فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهله في بعض الليالي . وفي شهود المرأة للتراويح أنشط لها وأرغب في الطاعة ، وكن نساء السلف يخرجن في زمن عمر وبعده للتراويح ، وكان يجعل لهن إماماً خاصاً بهن .

ولكن إذا خرجت المرأة , لتكن مثال المرأة الصالحة المتحلية بالحجاب ، والمتقلدة بالحشمة , والبعيدة عن أسباب الفتنة , من طيب وزينة وبخور ، فإن ذلك يذهب عنها سيما الصالحات العفيفات .

ولتشهدنْ نساؤنا القيامَ

 

أعني التراويح ولا ملاما

لأنها سنة ذا المختارِ

 

ومسلك الصحابة الخيارِ

يأتين المسجد بالحجابِ

 

بلا تزينٍ ولا ارتيابِ

السابعة : وقت المرأة في رمضان ثمين . لذا عليها استغراقه في الطاعات كقراءة القرآن , ولتحذر كثرة المجالس اللاغية ، القاتلة للوقت ، والتي تشتغل فيها المرأة بالغيبة والنميمة وقول الزور ، فإن ذلك كله ينافي تدين المرأة الصادقة ، وينافي وقار الصالحة وخشوعها .

الثامنة : يجوز للمرأة المسلمة في رمضان , وقد بُليت بالطبخ أن تطعم الطعام لتعرف ملوحته من حلاوته كما أفتى بذلك الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري معلقاً بصيغة الجزم .والله الموفق


الدرس الحادى عشر

آداب الصائمين

الحمد لله تعالى ، جمّل عباده بالآدب ، وحلاهم بحلى الأخلاق ، والصلاة والسلام على أحسن الأنام خلقاً ، وأزكاهم أدباً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الإخوة في الله :

حديثنا هذا المساء بعنوان (آداب الصائمين) وقد يستغرب بعض الناس ، ويقول: هل للصيام آداب معينة ؟ وما صلة الآداب بالصيام وهو عبارة عن إمساك مخصوص؟!

ونقول : إن الصيام عبادة جليلة لها صلة وثيقة بالأدب ، ولا تكمل وتطيب إلا بالآداب , وتحقيق هذه الآداب المهمة سبب في نيل ثمرة الصيام العظمى (لعلكم تتقون) التقوى التي هي منال كل مؤمن من هذه العبادة . وإذا كان الصوم لا يهذبنا ولا يهدينا لهذه الثمرة ، فلا خير يُرجى من تلك العبادة ، وليعالج الإنسان نفسه وليتأمل حاله ، والله الموفق .

 

 

ومن تلك الآداب المطلوب رعايتها :

الإخلاص :

وهو شرط الأعمال ، ولا يقبل الله عملاً إلا ما كان ابتغاء وجهه ، فلابد من إخلاص النية في الصوم ، وأن يبتغي الإنسان به وجه ربه ، وفي الحديث (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) إشارة إلى معنى الإخلاص .

ومن الآداب : أن يصوم العبد مؤمناً محتسباً لقوله في الحديث كما في الصحيح (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .

ومعنى مؤمناً : أي مصدقاً بفرضيته ، ومعنى احتساباً : يرجو ثوابه من الله تعالى. ومنها : كثرة الذكر والأعمال الصالحة ، فلا يزين الصيام بغير طاعات وقربات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضاعف عمله في رمضان .

ومنها : صون الصوم عن سائر المحرمات ، واجتناب قول الزور لقوله في الحديث الصحيح (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس له حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) أي كأن صومه وفطره سواء إذا لم يحفظ لسانه حال الصيام ! ومنها حسن التعامل مع الناس ، وأن لا يكون الصيام سبباً في فساد المزاج وتغير الحال ، ومنها قول (إني صائم) إذا بدت دواعي الجدل والمراء ولو على في أمر يسير ، لأن الشيطان حريص على إنقاص أجر المسلم ، وهذه الجملة الحسنة ، تقطع كل شيء ، وتحفظ على المسلم صيامه ولسانه وأدبه ، وتعلم الآخرين الأدب ، وإجلال هذه العبادة، وقد روي عن أبي هريرة رضى الله عنه وأصحابه أنهم إذا صاموا جلسوا في المسجد ، وذلك للتزود من العبادة ، والبعد عن منازل السفه واللغو والجدال ، وقد قال بعضهم : (لا تجعل يوم فطرك ، ويوم صيامك سواء) .

يقول الناظم :

لا تجعلِ الصيام كالإفطارِ

 

تسير في الناس بلا وقارِ

وفي الصيام تُطرَحُ الشتائمُ

 

والمخرج المحمود (إني صائمُ)

وحلِّ ذا الصيام بالقرآنِ

 

واجتنبن مزالق اللسانِ

اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .


الدرس الثانى عشر

مسائل في الصيام

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الإخوة الكرام :

ثمة مسائل تقع في الصيام يسأل عنها كثير من الناس وفي هذا الدرس نجلي الحكم فيها .

الأولى : حكم صيام من طلع عليه الفجر وهو جنب من جماع أو احتلام ، فبعض الناس يظن فساد الصيام ، والصواب أن صومه صحيح ، فالواجب أن يغتسل ويتم صومه ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من أهله ثم يغتسل ويصوم ، وقد كان بعض الصحابة يفتي بفساد الصيام كأبي هريرة لكنه رجع عندما تبين له الحق .

وفي ذلك أدلة صحيحة تدل على صحة الصوم ، وأنه لا خير في ذلك .

قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله :

وليغتسل من جنبا قد أصبحا    ثم ليصمْ بذا الحديثَ أفصحا

الثانية : يستحب استعمال السواك للصائم أول النهار وآخره , لعموم الأدلة في ذلك ، ولم تخص صائماً ولا غيره .

قال صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي رواية (مع كل وضوء) وهذا يشمل ما قبل الزوال وبعده . والحديث الوارد في النهي عن الاستياك بالعشي لا يصح .

وفي معنى السواك المعجون ، لا بأس باستخدامه مع أخذ الحذر منه لأنه شديد الحلاوة ويخشى من ابتلاعه ، وتأخيره إلى ما بعد الإفطار أحسن وأحوط .

الثالثة : من أكل أو شرب ناسياً فلا حرج في صيامه , لأنه أطعمه الله وسقاه ولا قضاء عليه ولا كفارة للأحاديث الصحيحة في ذلك .

وحتى لو كثر الأكل مع الإنسان صومه صحيح ، ولكن متى تذكر وجب عليه الانتهاء , وعلى من رآه تذكيره لأن ذلك من النصيحة الشرعية الواجبة .

الرابعة : يستحب للصائم تعجيل الفطر وتأخير السحور ، ويكون التعجيل بعد مغيب الشمس ، ويفطر قبل أن يصلي ، ويكون فطره على رطبات فإن لم يجد فعلى تمر , فإن لم يكن فليفطر على ماء فإنه طهور كما صح بذلك الحديث .

وروى في الحديث (أحب عبادي إلى أعجلهم فطراً) وأما السحور فالسنة تأخيره إلى ما قبل الفجر بمقدار خمسين آية معتدلة لا سريعة ولا بطيئة .

وهو غداء مبارك ، يحسن بالمسلم المواظبة , وفيه خير وبركة .

الخامسة : يجوز للصائم التبرد بالماء والاستحمام لمدافعة الحر والجوع ، ولا حرج في ذلك ، وهذا من يسر الله ورحمته بعباده .

السادسة : يُبتلى كثير من الصائمين بكثرة الريق ، فلو بلعه لا يضر صيامه ، ولو جمعه كذلك وبلعه لا يضر ، لأنه شاق ، وأما النخامة ، فلا يجوز له بلعها وعليه أن يلفظها ، ولو تعمد بلعها أفطر على الصحيح .

قال الناظم :

والريقُ لا يضر في الصيامِ

 

لأنه منه بلا كلامِ

ويفطر الصائم بالنخامةِ

 

بلا تردد ولا ندامةِ

والفرق بينهما ظاهر ، الريق دائم وسهل ، أما النخامة فنادرة ولها جرم ، فالواجب التنزه عنها ولفظها .


الدرس الثالث عشر

أخطاء الصائمين

الحمد لله , والصلاة والسلام على من لا بني بعده أما بعد :

فيؤسفنا معاشر الإخوان , أن تصدر أمورا وسلوكيات من فئام من الصائمين لا يرعون معها حقوق الصيام , ويجترئون على جوهر الصيام. كأنهم ليسوا بصائمين ‍! كأنما هم ممسكون عن الطعام والشراب فحسب ‍‍!!

وهذا خطأ كبير عند ما يعتقدون أن الصيام إنما هو عن الطعام والشراب !! ومن أخطاء بعض الصائمين المشهورة :

عدم إجلال رمضان والعناية به : فلا يحسن بعض المسلمين من حاله , ولا يغير من نفسه , ولا يضاعف خيراته وطاعاته , وإنما هو الكسل والغفلة , وهذا شىء عجيب, كأنهم لم يعوا قول النبى صلى الله عليه وسلم (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة) ولم يتأملوا (يا باغى الخير أقبل) ؟!

تضييع الصلاة : بعض الصائمين لا يصلي , وآخرون يشهدون المغرب أو الفجر فحسب , وهذا خطأ شنيع أما ترك الصلاة فهو كفر قال عمر رضي الله عنه : لا حظ فى الإسلام لمن ترك الصلاة , وقال عبد الله بن شقيق العقيلى: (كان صحابه النبى صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).

وأما التخلف عن الجماعة فمعصية عند من يوجبها , وليس من سمات الصالحين المسارعين فى هذا الشهر , وأما التخلف عن التراويح فتقصير عن الخيرات , والله المستعان.

المبالغة في المطاعم والمشارب : يتضاعف أكل بعض الصائمين , وتزداد صرفياتهم لماذا ؟! لقد جعلوا من رمضان موسم طعام وشراب , مسرفين ومبالغين.

وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمذي (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه , بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه , فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلت لشرابه وثلث لنفسه).

قال محمد بن واسع رحمه الله : من قل طعمه فهم وأفهم , وصفا ورق , وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير من يريد.

النوم الطويل : يخطئ كثيرون عندما يدفعون التعب والجوع فى رمضان بالنوم الطويل الذى يذهب نفاسة الوقت , وصلاة الجماعة , وربما تحجج بعضهم بحديث ضعيف وهو (نوم الصائم عبادة) وهذا حديث لا يصح ولا يسوغ لهم الاستدلال به , ومن آفات هذا النوم :

أولاً : إنه يضيع أنفس ما يملك الإنسان وهو الوقت.

ثانياً : يسبب إضاعة الصلاة , وتأديتها في وقتها.

ثالثاً : يورث الكسل والبرود.

رابعاً : ليس من أخلاق أولي الهمم والعزائم.

مخالطة الذنوب : وهذا لا يتلاءم مع صائم صام لله , يبتغي ما عند الله تعالى كيف يصوم من يقارف ذنباً كبيراً؟! كيف يعبد ربه ثم يعصاه في عبادته ؟! يصوم بعض الناس ولا يصوم لسانه عن الكذب وقول الزور, وهذا ذنب خطير!! ويصوم بعضهم عن الطعام ولا يصوم عن أكل الربا والحرام !!

وآخر يصوم ولكنه يشاهد الفضائيات وما فيها من فساد ودمار , وبعض الناس يجعل رمضان موسماً للتردد على الملاعب والملاهي , فلا يتضاعف ولهوه ويشتد إلا في شهر رمضان ! وهذا من علامة الوقت والضياع , والله المستعان.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات , وترك المنكرات , وحب المساكين , وأن تغفر لنا وترحمنا , ونكتفي بهذا القدر , والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


الدرس الرابع عشر

رمضان شهر الجود والصدقة

الحمد لله الغني الكريم , ذي الفضل والمن والعطاء , والصلاة والسلام على سيد الكرماء نبينا محمد وعلى آله وصحبه السادة النبلاء.

أيها الإخوة : رمضان شهر الجود والصدقة , والجود محبوب  إلى الله تعالى , وهو باب إلى الجنة وفى الحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس , وكان أجود ما يكون فى رمضان).

وقال صلى الله عليه وسلم (كل أمرئ في ظل صدقته يوم القيامة).

وقال (ما نقصت صدقة من مال) فالمال يتنامى بالصدقة , ويتضاعف بالإحسان وإن كان نقصاً في الظاهر إلا إنه يتبارك بإذن الله تعالى.

ومن الأحاديث العجيبة في فضل الصدقة ما رواه مسلم فى صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بينا رجل فلاة من الأرض , فسمع صوتاً في سحابة , اسقِ حديقة فلان , فتنحى ذلك السحاب , فأفرغ ماءه فى حرة فإذا شَرْجة من تلك الشِراج قد استوعبت ذلك الماء كله , فتتبع الماء , فإذا رجل قائم فى حديقته يحول الماء بمسحاته , فقال له يا عبد الله ما اسمك قال فلان للاسم الذى سمع في السحابة فقال له يا عبد الله لم تسألني عن اسمي فقال : إني سمعت صوتاً فى السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسقِ حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال : أما إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثاً , وارد فيها ثلثه).

وفى الحديث عن الصدقة ننبه على مسائل :

الأولى : إن رمضان فرصة لتربية النفس على الكرم والعطاء , وصيانتها عن البخل واللوم والاقتار, ولما أودعه الله فى هذا الشهر من أجور لمضاعفة الصدقات , ولرؤية المحسنين , ولكثرة الباذلين , حتى ممن ليسوا من أصحاب الغنى واليسر , ولكن معادنهم طيبة , ونفوسهم طامحة لما عند الله (وَمَا  تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) (المزمل الآية رقم : 20).

الثانية : هناك كثيرون يخرجون زكواتهم في رمضان , مع أن الزكاة قد تجب قبل رمضان , ولا يتحرون الأماكن المستحقة لها, وقد يعطيها لمتوسطي الحال , أو لبعض أقاربه أو جيرانه , مع أنه ينبغي للمتصدق أن يلتمس ذوي الحاجة , ومن هؤلاء الأسر الفقيرة في الأماكن النائية , وبيوت الأيتام والأرامل وطلاب العلم من الشباب والراغبين في الزواج ولا يستطيعونه , فهذه مصارف مستحقة للزكاة.

فمن كان يعرف من هؤلاء أوصلها إليهم , أو أعطى وكلاء محتسبيهن يؤدونها إليهم أو يعطي جمعيات البر لتوصيلها إليهم.

ويجوز نقل الزكاة إلى بلاد إسلامية محتاجة كفلسطين ونحوها لمسيس الحاجة , بل قد تكون الحاجة هناك أشد من هنا , فلا بأس من إعطاء من يتحمل إيصالها إليهم كالندوة العالمية للشباب الإسلامى , وهيئة الإغاثة الإسلامية وغيرهم.

وقد أفتى غير واحد من علمائنا الأجلة بجواز نقلها عند الحاجة , وهو الصحيح, وإليه يشير من نظم بقوله :

 

وتنقل الزكاة لاحتياجِ
لاسيما عند حصول البأسِ

 

وليس للفخر والابتهاج
وكثرة الأرزاء والمآسي

الثالثة : رسولنا صلى الله عليه وسلم كان فى رمضان أجود الأجودين , وسيد المتصدقين , ولنا به أسوة حسنة قال تعالى
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب الآية رقم :21).

وفى ذلك داعٍ لنا لمضاعفة الصدقة , والإكثار من البذل مع ما كان فيه من فقر وفاقة عليه الصلاة والسلام , إلا إنه كان يحب الصدقة والجود , ويكره البخل والشح وقد قال كما فى الحديث الصحيح :

(إنهم خيروني بين أن يسألوني بالفحشى أو يبخلوني فلست بباخل).

وقد كان يحض صحابته الكرام على الصدقة , ويربيهم عليها وعلى استيثاق موعود الله بالتنامي والبركة فيقول (اتقوا النار ولو بشق تمرة).

ويقول (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في امرأتك).

وقال (أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً).

اللهم آت نفوسنا تقواها , وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد


الدرس الخامس عشر

أحكام القضاء

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أيها الإخوة : نتحدث هذه الليلة عن أحكام القضاء بالنسبة لأهل الأعذار الذين عذرهم الله تعالى , وخفف عنهم الصيام فمع إيجاب الصيام على المكلفين إلا أنه لطف بعباده , وأذن لمن به عذر يشق معه الصيام , أن يفطر ويقضي بعد ذلك , أو يطعم ولا حرج عليه.

والأصل في ذلك قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر).

والناس في أحكام القضاء أقسام :

القسم الأول : الحائض والنفساء , فمتى رأت إحداهما الدم وجب عليها الفطر , ويحرم الصوم بإجماع المسلمين , وعليها القضاء بعد ذلك , ولا تقضي الصلاة. قالت عائشة رضي الله عنها : (كان يُصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم, ولا تؤمر بقضاء الصلاة).

القسم الثانى : المسافر , يفطر ويقضي إن أحب ذلك , أو كانت عليه مشقة , وإن وجد قوة وصام فلا حرج عليه , والأصل في فطره قوله تعالى (فمن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر).

القسم الثالث : الحامل والمرضع : وذلك إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما والراجع أن عليهما القضاء فقط , لأنهما فى حكم المريض ويدل لذلك حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله وضع شطر الصلاة والصوم عن المسافر , وعن المرضع و الحبلى الصوم ).

القسم الرابع : المريض وهو على قسمين :

مرض يُرَجى برؤه وشفاؤه , فهذا يفطر ويقضي إذا شُفي للآية السابقة.

مرض لا يرجى برؤه كمن يصاب بالأمراض المستعصية , فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً , ومقداره نصف صاع من قوت البلد أو ما يعادل كيلو ونصف تقريباً. ويلتحق بهذا القسم الشيخ الكبير والمرأة العجوز فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً.

قال تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).

والمعنى أن على الذين يتكلفونه أي الصيام ويشق عليهم , يجزيهم إطعام مسكين عن كل يوم , وهذا ما قاله حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

القسم الخامس : الكبير الهَرِم , وهو من أصابه الخرف , واختل عقله فهذا لا صوم عليه ولاإطعام , لأنه ساقط عنه التكليف.

وحول القضاء ننبه على مسائل :

الأولى : أنه يكره تأخير القضاء إلى دخول رمضان آخر. وعلى المسلم المبادرة بالقضاء لأنه أسلم وأبرأ فى الذمة.

وأما من فرط حتى دخل عليه رمضان آخر , فيجب عليه حينئذ مع القضاء إلاطعام كما أفتى بذلك جماعة من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم.

وفى هذا يقول الناظم :

وجاء فيمن للقضاء يؤخر
عن فرقة من الصحابة القضا

 

حتى أتاه رمضان آخر
مع فدية إلا طعام عنهم حفظا

الثانية : لا يشترط التتابع في قضاء رمضان , بل تصح متتابعة ومتفرقة (فعدة من أيام آخر) وفي ذلك تسير على المؤمنين.

الثالثة : لا يسوغ صوم التطوع قبل القضاء ! فمن كان عليه صيام من رمضان بدأ به أولاً ثم تطوع بعد ذلك , ولهذا كان القول الراجح أن الست من شعبان لا تصام إلا بعد القضاء لقوله عليه الصلاة والسلام كما فى صحيح مسلم : (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال , فكأنما صام الدهر كله).


الدرس السادس عشر

مسألتان

الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أيها الإخوة في الله : حديثنا فى هذه الليلة عن مسألتين هامتين :

المسألة الأولى : التوبة فى رمضان :

رمضان يا مسلمون فرصة للتوبة والرجوع إلى الله , ولن تكون النفوس أقرب إلى الله , منها في هذا الشهر. ففيه تتضاعف الرحمة , وتتسع أبواب المغفرة , ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.

التوبة والاستغفار واجبة على كل حال , ولكنها في رمضان تحسن وتعظم لبركة هذا الشهر وعظم خيراته , وقد جاء فى الحديث الصحيح (رَغِمُ أنفُ رجل أدركه رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له)  فكان هذا الشهر ميدان للتائبين والآيبين إلى الله ومن لم يدع المعاصى ويتب إلى الله , متى سيتوب ويقلع ؟!

قال تعالى (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات الآية رقم 11) حَري بمن يعيش أنوار هذا الشهر أن يتعظ بما يرى , وأن يكون شهوده للشهر مؤذناً بتغيره وتوبته قال تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه الآية رقم 82).

وكل إنسان منا بحاجة إلى التوبة , فمن ذا الذى لم يذنب ؟! ومن هو الذى صحت استقامته ؟! كلنا فقراء يا إخوان إلى عفو الله ومغفرته. (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور الآية رقم 31).

وينصح التائب إلى الله تعالى بأمــور :

الصدق في التوبة وأن تكون نصوحاً , يقلع عما سلف , ويندم , ويعزم على عدم العود.

الثقة في وعد الله بالمغفرة وسعة رحمته , وعدم اليأس.

عدم استعظام الذنب , ففضل الله واسع(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر الآية رقم 53).

المبادرة إلى التوبة والعمل الصالح , الاستكثار من الخيرات , قال تعالى (إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود الآية
رقم 114).

ترك الأمور التي كانت تساعد على الذنب , كالنظر في الماضى , والرفقة السيئة , والفراغ القاتل ونحو ذلك , وعليه أن يستبدل بعد التوبة الصالحة, ويبادر للطاعة ,  الخيرات ويكثر من الاستغفار. وفقنا  الله وأياكم للتوبة النصوح , وتجاوز عنا وعن سائر المسلمين.

المسألة الثانية : القيام فى رمضان :

وهو ما يسمى بصلاة التراويح , وهذه الصلاة يهملها كثيرون , مع أن رمضان شهر القيام والصلاة وجدير بالمسلم أن يحافظ على هذه الصلاة مع الجماعة فهى سبب للمغفرة والرحمة قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) والمواظبة على التراويح , تربية على قيام الليل , ووسيلة للتدبر والخشوع. وليحرص المسلم على إصابة مسجد يعتني بهذه الصلاة ويعظمها , وليس كما يفعل في هذه الأزمنة من تلاعب بالتراويح صريح , ونقر لها قبيح !! فكيف يقدم الصائم لله صلاة تهذرم تلاوتها , وتضيع أركانها , وتؤدى بلا خشوع واطمئنان ؟!!

فالواجب على أئمة المساجد أن يتقوا الله , وأن يحسنوا هذه الصلاة , ولا يتلاعبوا لها ولا يغتروا بفعل بعض المستعجلة الذين أرهقتهم الدنيا , فأصمت أسماعهم , وأعمت قلوبهم , يصلون التراويح فى أقل من نصف ساعة , ليقابلوا دنياهم , وليرضوا شهوات الجهلة , وليظفروا بالجمع الغفير , والله المستعان.

وليعلم أنه ليس التيسير على الناس بالتلاعب بالصلاة , والهذّ للتلاوة !! إن التيسير عليهم بمراعاة أحوالهم مع الحفاظ على الصلاة وفضائلها. وتطويل التراويح وتحسينها في هذا الشهر مما يرجى خيره وبركته , كيف وقد قال الله (أياماً معدودات). ومن شق عليه القيام , فليجلس , لأنها نافلة وليس بواجبة.

ومشكلتنا هنا أن ثمة مساجد تفسد على أخرى , ولا تحرص على طلب الخير والفضل فى هذا الشهر !! فالمطلوب ظهور صوت مجتمع من أهل العلم لإيقاف هذا العبث والمجانبة للسنة , والاستهانة بالشهر , والله الموفق.

اللهم ارزقنا الفقه في دنيك , ووفقنا لاتباع السنة

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه


الدرس السابع عشر

يوم الفرقان

الحمد لله تعالى , أعز أولياءه , وخذل أعداءه , وصلى الله وسلم على نبي الملحمة وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

وفي هذا اليوم معاشر الإخوان , وقعت غزوة بدر الكبرى , ذاك اليوم المشهود الكبير , الذى شمخ به أهل التوحيد , وذل به أهل الشرك والتضليل وقد سماه الله تعالى (يوم الفرقان) لأنه حصل التفريق بين الحق والباطل , وعزت به الدولة المسلمة , وسقط به المشركون.

قال تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران الآية رقم 123).

كانت المنة على المؤمنين عظيمة , نصرهم الله مع قلة العدد , وهوان العدة , وضخامة الأعداء ولكنهم خرجوا مؤمنين صادقين , قد تسلحوا بالإيمان , وتقلدوا الصبر, لا يخافون عدواً , ولا يخشون قوة , وفيهم يقول أحد فرسان المشركين وهو عُميربن  وهب (يا معشر قريش قد رأيت البلايا تحمل المنايا , نواضح يثرب تحمل الموت النافع , يتلمظون تلمظ الأفاعي ولن يموت رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم , فما خير العيش بعدئذ , فروا رأيكم).

وجاءت قريش بحدها وحديدها , تحارب الله ورسوله , بطراً ورياء الناس , قد علاهم الكبر , واستهواهم الكبرياء , فكسر الله تلك القوة , إذ رد كيدهم فى نحورهم , وأنزل جنوداً من الملائكة تؤيد أولياءه , فقاتلوا قتالاً عنيفاً , فر لأجله المشركون , وانقلبوا صاغرين وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بسيرهم قال : هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها , ثم عين مصارع الصناديد والسادة , فلم يتجاوز أحدهم محله , وبعد المعركة , ناداهم على وجه التوبيخ (هل وجدتم ما عدكم ربكم حقاً , فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقاً).

وانتهت المعركة يوم الفرقان بنصر مبين لأولياء الله , عزوا بعد الذل , وقووا بعد الاستضعاف وسادوا بعد التفرق , فسبحان الذى بيده مقاليد كل شىء , يعز من يشاء, ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شىء قدير.

ولأن الدرس هنا وجيز ومحدود لا أطيل في تفاصيل هذا الغزوة , وإن كانت خليقة ببيان أحداثها و دروسها , لكن أشير هنا إلى أهم الدروس.

أولاً : أن هذه الغزوة المتينة وقعت فى شهر رمضان , تريد أن تعلمنا أن رمضان شهر عمل وجد وجهاد , وليس شهر كسل ونوم وارتياح , فمع انشغال الأبرار بالقرآن والطاعة فإنهم إذا سمعوا داعي الجهاد , لبوا وأسرعوا , غير مبالين ولا مترددين , ثم هم خارجون إلى طاعة , بل طاعة عظيمة هي من أعظم الطاعات , فكيف إذا كانت في رمضان.

فخرج رسولنا عليه الصلاة والسلام ذاك القائم القانت : من محرابه إلى ميدانه ليتحول إلى مجاهد باسل يحمى الأمة , ويكسر العدوان والظلمة , وعلى هذا كان فى حياته كلها , فقد كانت غزوة (فتح مكة) في رمضان وهي من أعظم الانتصارات في الإسلام. وعلى هذا سار صحابته وأمته من بعده , فقد وقعت معارك وبطولات شهيرة في رمضان ، كلها تؤكد أن رمضان قد يكون ميداناً للجهاد , ورياضاً للانتصارات والمقاومات. وتبين لنا أن الصوم ليس شعاراً للكسل والفتور , بل هو سائق للدأب والمسارعة بكل وجوه الخير والعمل الصالح.

فمن تلك المعارك الواقعة فى رمضان : البويب , وعين جالوت.

ونحن فى هذه الأيام نشهد معارك ضارية تدبر على المسلمين كالذى تحدث فى أفغانستان والشيشان وفلسطين وكشمير والفلبين وغيرها , والمطلوب منا لهؤلاء الدعم والدعاء وعدم نسيانهم , فإنهم إخوان لنا صائمون , ومجاهدون .

نسأل الله تعالى أن يعينهم وينصرهم ويثبت أقدامهم.

ثانياً : لعل من أهم وأجل الدروس هذه الغزوة أن النصر من عند الله , ليس بقوة مادية ولا ترسانة حربية , وإن كان الإعداد أمراً لابد منه , لكن لابد من تسليح النفوس أولاً بالإيمان واليقين وتحليتها بالصبر والتوكل , فإن هذه هي قوام النصر ومادته , وما أُتيت الأمة إلا من ضعفها في هذه الأبواب , ثم بعد ذلك تعد الأمة كل ما تستطيع تحقيقاً لقوله تعالى :

(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (محمد الآية رقم 60).


الدرس الثامن عشر

العشر الأواخر

الحمد لله ولي الصالحين والعاقبة للمتقين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فها نحن معاشر الإخوان , ودعنا قرابة ثلثي الشهر , ومضى شهرنا من غير شعور به !! أتذكرون أول ليلة استقبلناه وفرحنا به ؟! لقد تصرم بسرعة عجيبة ! ليسأل كل واحد منا ماذا قدم في تلكم الأيام السالفات ؟!

هل أصلح من نفسه ؟ هل تضاعف اجتهاده ؟ هل كان من المسارعين فى الخيرات ؟ من كان محسناً فليزد من إحسانه , وليضاعف خيره , وأفضاله. ومن كان مسيئاً فليتب وليستغفر , فلازالت الفرصة مواتية , والأرزاق دانية.

أيها الإخوة :

دنت العشر الأواخر الطيبات , وهي لباب الشهر وبستانه العامر وروضته الغناء, فما أنتهم معدون لها ؟!

إن العقلاء بحق لا يضيعونها , أو ينشغلون عنها , وقد عرفوا من فضلها ما عرفوا وقد علموا بجد رسولنا صلى الله عليه وسلم فيها , وكيف أنه يعظمها غاية التعظيم , فيجد منها ويشد مئزره ويحيي ليله ويوقظ أهله كما ذكرت عائشة رضى الله عنها كما فى الصحيحين.

فهذه أربعة أمور تجلى عناية رسول الله بهذه العشر الكريمات :

أولاً : كان يجد فيها وهذه علامة الاهتمام والاستعداد , ولا يكون الجد والاجتهاد إلا للأمور العظيمة , ومن أمثلة جده منها أنه كان يعتكف فيها توفيراً للعبادة وحفاظاً على الوقت , وابتعاداً عن الخلطة والصوارف.

ثانياً : كان يشد مئزره فيها ، وهذا معناه اعتزال النساء على الصحيح كما قاله سفيان الثوري وأبو بكر بن عباش وغيرهما , ويستشهد له بقول الشاعر :

قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم

 

دون النساء ولو باتت بأطهارِ

وفى بعض الروايات ما يدل على ذلك.

ثالثاً : كان يحيي ليله فيها , ومعناه السهر على الطاعة والعبادة والتلاوة , والتعبير هنا بالإحياء يشعر بأن من الوقت ما هو حي يعمره بطاعة الله , ومنه ما هو ميت كالذى يحرق بالسفاهات والتعاسات.

رابعاً : وكان يوقظ أهله , وهذا من النصيحة والرعاية للأهل , لأن كل واحد راع ومسئول عن رعيته ، إذن ليحرص كل واحد منا على إيقاظ أهله للصلاة , و إحضار الأبناء للمساجد.

ويقبح والله تركهم للشوارع والملهيات , وقت ابتهال الناس في المساجد.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


الدرس التاسع عشر

خير من ألف شهر

الحمد لله تعالى , أسبغ علينا النعم , وأولانا بالمنن وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد :

نتحدث هذا المساء عن قوله تعالى (خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فيا له من خطاب جذاب, وحديث أخاذ ومتجر رابح , لمن يفكر في الربح والخسارة ‍‍‍! لقد جعل الله قيام ليلة القدر , والفوز بها خير من ألف شهر , أي أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر. عجيب والله هذا الفضل ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! ‍‍‍‍

قالى تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ (1) وَمَا  أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ (2) لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) هل لهذا الخطاب موقع من نفوسنا ؟‍‍‍ إن ذوى العزائم لتتراقص عزائمهم لمثل هذا التشويق , وإن طلاب الفلاح لتشخص أبصارهم لمثل هذا الإحسان.

فأين موقعنا في هذه الليالي المباركة ؟‍‍‍!

أيها الإخوة :

ليلة القدر هى زهرة الشهر الغراء , وجائزته الحسناء , من فاز بها فقد حاز الفوز كله , ومن حرمها فقد حرم الخير كله , ولا يحرم خيرها إلا محروم , فجدوا فيما بقي من شهركم , وخصوا لياليه بالقيام والدعاء ومضاعفة الأذكار نسأل الله تعالى من فضله.

ويستحب للمسلم تحري هذه الليلة وطلبها في هذه الليالي الشريفة كما قد حث رسولكم عليه الصلاة والسلام فقد قال كما في الصحيحين ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر) وقد جعلها خاصة لهذه الأمة , كرامة للنبى صلى الله عليه وسلم , لما رأى تقاصر أعمارهم , وإلا فإنها موجودة في الأمم السابقة , ولكن فضلها مخصوص بأمتنا المجيدة , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وقد ورد لهذه الليلة علامات صحيحة منها :

ما رواه مسلم فى صحيحه أن الشمس في صبيحتها تطلع لاشعاع لها.

وعند ابن خزيمة بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال : (ليلة القدرة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة).

وهناك علامات أخر , لكن هذا أصح ما ورد , وقد ذكر بعض مشايخنا الفضلاء شيئاً من علاماتها تعرف بالتجربة وهو أن نفوس الصالحين ليلتها تكون منشرحة مطمئنة , وليس عليه دليل , ولكن حدث به غير واحد من العلماء والصلحاء.

وهناك علامات غير صحيحة , أذكرها للتنبيه يتناقلها العامة منها : زعمهم أن الكلاب لا تنبح ليلتها وأن المياه المالحة تصبح حلوة , وأن الأشجار تنكس , وكل ذلك لا أصل له فلينتبه , وهنا أضم إلى هذه العلامات التي لم تثبت ، حديثاً رواه الطبراني وابن خزيمة ولا يصح وهو (من صلى العشاء الآخرة في جماعة في رمضان فقد أدرك ليلة القدر)

وهذا حديث ضعيف لا يعتمد عليه , وفيه تزهيد من إحياء ليالي العشر بالقيام والتلاوة والأذكار اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك , ونكتفي بهذا القدر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


الدرس العشرون

زكاة الفطر

الحمد لله , والشكر لله , ولا حول ولا قوة إلا بالله , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

ففى هذه الليلة نتحدث عن زكاة الفطر , ولعله آخر درس لنا في هذا الشهر , لأن البقاع المقدسة تجتذب أفئدة المؤمنين , ولا يملك الطامع في الخير لقوله صلى الله عليه وسلم كما في المتفق عليه (عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي) إلا التسليم والمبادرة والبعد عن الكسل والتسويف , نسأل الله لنا ولكم العون والتسديد.

وسيكون حديثنا عن زكاة الفطر في مسائل وباختصار :

الأولى : زكاة الفطر هي طهرة وتنقية للصائم من اللغو والرفث كما صح بذلك الحديث فإنها تجبر خلل الصيام , وتصفيه مما علق بها , ولهذا قال بعض العلماء : إنها للصائم كسجدتي السهو للصلاة وإنها لعنوان الفلاح والرشاد فقد قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) (الأعلى الآية رقم 14) وقال بعضهم : المراد بذلك زكاة الفطر.

الثانية : زكاة الفطر فرض فإجماع المسلمين وحكي فى ذلك خلاف يسير لا التفات إليه فقد قال ابن عمر (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر).

الثالثة : القدر الواجب فيها (صاع) على كل إنسان , ولا يجزي أقل من ذلك قال الناظم :

وقدرها بالنص والإجماع

 

عن كل واحد وجوب صاع

وهذا الصاع يعادل قرابة اثنين كيلو وأربعين جراماً بالمد النبوي .

والراجح أنها تخرج طعاماً من غالب قوت البلد , ولا يجزى إخراج القيمة أي النقود فيها لأنها خلاف السنة , وفيه إخفاء لها , وهذا مذهب جمهور العلماء , وقد تخوف الإمام أحمد من عدم إجزائها لمن أخرجها قيمة.

الرابعة : ووقت وجوبها يبتدئ بغروب شمس آخر يوم من رمضان , فمن تزوج أو ولد له أو أسلم قبل الغروب فعليه الزكاة , وإن كان بعد الغروب فلا عليه شىء.

الخامسة : أما وقت إخراجها فلها وقتان الأول : وهو الفاضل المستحب أن تخرج قبل خروج الناس إلى الصلاة لقول ابن عمر في الحديث الصحيح ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة).

قال النسائى في سننه : (باب الوقت الذى يستحب أن تؤدى زكاة الفطر فيه).

والوقت الآخر : وقت الجواز وهو أن تؤدى قبل العيد بيوع أو يومين لما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يعطيها الذين يقبلونها – أى مستحقيها – وكانوا يعطون قبل العبد بيوم أو يومين).

ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد , فإن أخرها لغير عذر فهي صدقة من الصدقات , وليست بزكاة مقبولة. قال الناظم :

والمعطى للزكاة بعد العيدِ

 

قد فاته الفضل بلا ترديد

السادسة : مصرف زكاة الفطر للمساكين ذوي الحاجة ، ولا تعطى لغيرهم من أهل الزكاة لقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (وطعمة للمساكين).

وهذا مذهب ابن تيمية وابن القيم وعليه أكثر علمائنا المعاصرين.

قال بعضهم :

وإنها بالنص للمسكين
وكن إلى أدائها مبادراً
وكونها من قوت أهل البلدِ

 

فلا تَحِد عن منطق الأمينِ
وشاكراً لربنا وذاكراً
سنة هادينا بلا ترددِ

وأخيراً : كل من كان فقيراً معسراً لا يملك قوت يومه وليلته , تسقط الزكاة في حقه , ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها , بل يجب علينا حينئذ التماسه ، وإعطاؤه لأنه من أهلها المستحقين , لهذا فإني أنبه على خطأ في صرفها , وهو أن بعض الناس يتدافعون زكاة الفطر , فالجار يعطيها جاره , والقريب يعطى قريبه دون حاجة ملحة , وهذا خطأ, بل يجب علينا التماس الفقراء لها , وإذا جهلنا سألنا عنهم عن طريق أئمة المساجد أو الجمعيات الخيرية.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات , وترك المنكرات , وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا , وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


فهرس المحتويات

 

مقدمة .

2

 

الدرس الأول : يا باغي الخير أقبل .

3

 

الدرس الثانى : حقيقة الفرحة برمضان .

7

 

الدرس الثالث : لعلكم تتقون .

9

 

الدرس الرابع : رمضان فرصة للتغيير .

13

 

الدرس الخامس : رمضان شهر القرآن .

16

 

الدرس السادس : فقهيات الصيام .

21

 

الدرس السابع : رسولنا صلى الله عليه وسلم فى رمضان .

27

 

الدرس الثامن : للمسلم دعوة فى رمضان .

33

 

الدرس التاسع : أفلا يتدبرون القرآن .

41

 

الدرس العاشر : المرأة المسلمة فى رمضان .

51

 

الدرس الحادى عشر : آداب الصائمين .

56

 

الدرس الثانى عشر : مسائل فى الصيام .

59

 

الدرس الثالث عشر : أخطاء الصائمين .

63

 

الدرس الرابع عشر : رمضان شهر الجود والصدقة .

67

 

الدرس الخامس عشر : أحكام القضاء .

72

 

الدرس السادس عشر : مسألتان .

76

 

الدرس السابع عشر : يوم الفرقان .

80

 

الدرس الثامن عشر : العشر الأواخر .

84

 

الدرس التاسع عشر : خير من ألف شهر .

87

 

الدرس العشرون : زكاة الفطر .

90

 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التهاب المفاصل الروماتويدي

الروماتويد ما هو وما العلاج التهاب المفاصل الروماتويدي من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة     الروماتويد يد متضررة من التهاب المفاصل الر...